على المرأة أن ُتحب لا أن ُتفهم... هذه هي الخطوة الأولى في طريق الفهم
إن جمال الحياة هو في سرها الخفي حيث لا نستطيع أن نغوص في عمقها أو في
أوجها أو علوها، ولكن علم اليوم يعبر نوعًا ما علميًا عن وظائف هذه الأسرار
الطبيعية والعلم محدود وأكثر العلماء توّقفوا عند الحد واتجهوا إلى المدد، إلى هذا
السر العلمي ولذلك قيل بأن العلماء ورثة الأنبياء... ابتدأ العلم بالدخول إلى سر
الذرة وتخّلى عن الفكر المقيد والعنيد والمستبد وتخطى حدود الأرقام والأعداد
وأدرك بأنه لا يعرف إلا القليل من سر الوجود...
مع العالِم أينشتاين، تحول تاريخ العلم من الفكر إلى الفهم لأنه كلما تعمق في سر
الذرة كلما وقع في ارتباك وحيرة... ترك المنطق والعقلانية لأنه لم يستطيع أن
يأمر أو يملي شروطه على الوجود لأنه سر غير محدود ولا يتبع الفكر والمنطق
المحدود... وقد صرح أينشتاين بأنه متردد في أبحاثه وإصراره على أهمية العلم
العقلاني المنطقي... وبأّنه علم فكري إنساني ولكنه غير نبيه وغير ذكي.
كما تأ ّ كد بأنه لو أصر على أهمية المعقولية والمنطقية فالوجود لا يتبع المنطق ولا
يتبع الإنسان وعلى المنطق أن يتغير من الفكر إلى التفكر ومن العقل إلى التعّقل
والتو ّ كل حسب سر الوجود، وكلما تعمقت في سر الدنيا ترى الغموض يزداد
غموضًا حّتى تصل إلى نقطة العودة إلى الذِّكِر لا إلى الفكر وإلى التأمل والإصغاء
إلى الطبيعة، هذا هو الفهم والإدراك وقمة الوعي والتمييز... هذا هو الفهم الأبعد
من حواس الجسم... تختبر وتعلم ولكن من الصعب أن تعبر وتعّلم...
إن الرجل سر والمرأة لغز والطبيعة حجة غامضة وكل جهدنا لمعرفة هذا الوجود
سيصاب بالفشل وخيبة الأمل... العين ترى والأذن تسمع والكائن يختبر ويعتبر
ولكن الكلمة محدودة لا تستطيع أن ُتظهر الباطن اللامحدود... الاختبار يسبق
التعبير...
تذكرت هذه الحادثة، أحد علماء الرياضيات ذهب لشراء لعبة لولده بمناسبة عيد
ميلاده وطبعًا اختار لعبة علمية معقدة، وبعد محاولات عديدة وفاشلة لحّلها سأل
العالم صاحب المحل عن الحل وتفاجأ بالجواب...
"أيها العالم الكبير!! إّنها لا ُتحل لا بالعقل ولا بالفكر بل هذه لعبة للصغار حّتى
نقول لهم بأن الحياة سر ولغز بدون حل بل بالعيش والاختبار... لقد حاولت
وجاهدت كثيرًا ولم تصل إلى حل... هذا هو هدف هذه اللعبة وهي حزورة بدون
جواب... هذا هو الهدف منها وبنوع خاص للأولاد حّتى لا يجاهدوا في سبيل
الدنيا بل يشاهدوا في سبيل الإنسان"...
بإمكاننا أن نعيش ونحيا ونفرح ونّتحد في هذا السر الغامض ولكن لا نستطيع أن
نراقب أو أن نفهم ما نرى... هل تعرف نفسك؟ نفسي هي أكبر لغز لنفسي مع
العلم بأنني حسيبة ورقيبة على هذا السر ولم أعرف شيئًا ولكن عندي بعض
الإشارات أو المفاتيح...
إن الطبيب النفساني هو شخص لا تعرفه يسألك الكثير من الأسئلة المكّلفة التي
تسألك إياها زوجتك بدون أي كلفة...
المفتاح إلى السعادة ليس بالكلام عن الرقة والحنان والحب والشوق بل بعيش
النشوة الحقيقية التي هي المفتاح الذي لا يزال مفقودًا في يد حامله...
المرأة تبدأ بمقاومة تطور وتقدم الرجل وتنتهي بعرقلة سير عمله ومنعه من الراحة
والاعتزال...
إذا أردت أن تغير فكر المرأة اتفق معها... وإذا أحببت أن تعرف حقيقة فكرها
وقصدها ونيتها، انظر إليها ولا تسمع ولا تنصت...
أتت المرأة إلى الشرطي وقالت: " أيها الضابط، ذلك الرجل الواقف على تلك
الزاوية يزعجني جدًا"...
إنني أحرس هنا منذ وقت طويل وذاك الرجل لم ينظر إليك أبدًا، قال البوليس.
"إنك على حق" قالت السيدة، "ولكن ألا ترى أن هذه المعاملة هي الإزعاج
والمضايقة؟"
المرأة تفكر في إحساسها والرجل يفكر في فكره وأين هو التجانس والتواصل؟
التف َ ت الشاب الرومانسي والعاطفي إلى الفتاة وسألها "هل أنا أول رجل يشاركك
سرير الحب؟"... فكرت قلي ً لا وأجابت "ممكن أن تكون ولكنني أملك ذاكرة ضعيفة
ومرعبة ورهيبة من حيث الوجوه"...
كلّ شيء غامض وخفي وملغز ومن الأفضل والأصح أن نفرح بأي شيء نراه
بدلا من أن نفهمه أو ندركه... إن طبيعة الإنسان وبنوع خاص الرجل، الذي
يحاول أن يفهم الحياة، يبرهن بأّنه غبي ولكن الذي يتمّتع بالحياة يزداد حكمة
وفرحًا ويحيا الأسرار التي تحيط به وتغمره بالغموض وبالفيض السري الساكن
في سر الإنسان...
إن أقصى الفهم والإدراك والتمييز هو أن نفهم تمامًا بأننا لا نستطيع أن نفهم
شيئًا... ليس بالفهم وحده يحيا الإنسان... كل الوجود معجزة خارقة وعجائبية
إلهية مكتنفة بالأسرار المقدسة لا تدركها الحواس بل تحياها النفوس المتحررة من
جميع الطقوس والنصوص... هذه المعرفة هي بداية الدين الساكن في قلب
المحب...
مقتطف من" كتاب المرأة"
(ﻤﺭﻴﻡ ﻨﻭﺭ)
مقتطف من" كتاب المرأة"
(ﻤﺭﻴﻡ ﻨﻭﺭ)